آن لك أن تعرف الآن كم كنا سعداء بهذا اللقاء العابر.. خجلك وخجلنا لم يسمحا لنا بأن نكون أكثر من أصدقاء، نتقاسم جنون الطفولة ولا نأبه بالكدمات التي يتركها الزمن على وجوهنا..

تعلمنا منك أن التواضع ليس خيارا محسوبا، بل شعور عميق بحاجتنا إلى الآخرين، ألم تكن تقول حين يتملكك الغضب أن ما يزعجك ليس ما قيل، بل عدم اقتناعك بما قيل من كلام قد يكون صحيحا.. ثم تبادلنا ابتسامة بليغة وتمضي إلى عملك.

تعلمنا منك التواضع لأنك كنت مبدعا وفنانا وصاحب مؤلفات وترجمات تملأ معارض الكتب، غير أنك كنت ترضى كأي مبدع وفنان بموقعك البسيط.. كنت تحب أن تتعلم من غيرك، لأن الجاهل وحده - كما كنت تقول- لا يفتقد الحاجة إلى المعرفة.

صخر الحاج حسين.. رحلت - كما جئت- على أمشاط أقدامك..

كان حلمك أن تصبح ابنتك جودي مهندسة ديكور ناجحة، وأن تواظب صغيرتك سارة على الدراسة وتواصل مداعبة القيثارة بأناملها الطرية، وألا ينفد صبر زوجتك من مزاجية الفنان وطفولة الشاعر الذي يختبئ في قلبك.

وكان حلمك - في مئات المقالات والمدونات التي كتبتها حتى وأنت تواجه الموت البطيء- أن تنتفض حلب بسرعة من تحت الرماد، وتنفض عن وجهها غبار هذا الزمن الظالم.

هل كان صدفة أن ترحل يا صخر في نفس الأسبوع الذي يحتفي فيه كثيرون بسانتا كلوز.. وقد كنت أعتبرك سانتا كلوز غرفة الأخبار، لأنك كنت تحمل في حقيبتك العجيبة ما يخطر ولا يخطر على بال أحد..

حلوى، وشكولاتة وأدوية وكتب وأقلام وسجائر وأشياء أخرى.. هل تذكر أنني طلبت منك مرة سندويش فلافل على سبيل المزاح، فأخرجته من حقيبتك العجيبة، كما يفعل سانتا كلوز؟ ..

هل تذكر حين طلبت مني أن أحضر لك من سفري قبعة "باناما"، لأنك لم تكن ترضى بأن تنسيك جرعات العلاج الكيماوي المفترسة الاهتمام بأناقتك ورشاقتك ومراهقتك الدائمة؟

كان صخر الحاج حسين.. وسيظل أكثر من حالة عابرة، سيظل ككل ممن مروا بهذا العالم، ولم يفكروا بأن يتركوا وراءهم الجاه والمال، ولا فكروا بأن يصنعوا لأنفسهم الشهرة والسمعة والمجد.. ولا كان يعنيهم أن يخلدوا أسماءهم ..

كانوا فقط يحاولون أن يتركوا العالم أكثر جمالا وأناقة.. يجتهدون صباح مساء لمحاربة الظلامية والتطرف والجهل والإسفاف والحقد والتخلف..

يفعلون ذلك بلا مقابل، ويعتقدون أن واجبهم، هو أن يسلموا أمانة الحياة يوم الوداع أفضل مما استلموها يوم الميلاد..

صخر الحاج حسين.. زعامة في عيون مقربيه، سوري يحمل ذاكرة سيف الدولة ويمتطي جواد أبي فراس ويتعطر بياسمين نزار قباني.. حالة إنسانية تعبق برائحة حلب وبهارات دمشق ومسك الجامع الأموي..

سألت زملاءك في "سكاي نيوز عربية" هذا الصباح عن ذكراك، فأبلغوني بصوت واحد أنهم تعلموا من لقائك العابر كم يسمو الرجل بصدقه، وكم يكبر الطفل ببراءته، وكم يصبح الجميع يتامى حين يغادر الكبار على أمشاط أقدامهم..