يشهد قطاع الطاقة الروسي حالة من الاضطراب غير المسبوق بفعل الهجمات الأوكرانية الأخيرة على سفن الشحن النفطي الروسية في البحر الأسود، إلى جانب الضغوط المستمرة للعقوبات الغربية. فقد أثرت هذه العوامل على أسعار التأمين والتجارة النفطية، مع تداعيات محتملة على الأسواق العالمية، فيما يواصل الخبراء تحليل السيناريوهات الاقتصادية والجيوسياسية المرتبطة بتدفقات النفط الروسي.

ارتفاع غير مسبوق في تكلفة التأمين البحري

أدت الهجمات الأوكرانية التي استهدفت ست سفن شحن نفطي روسية في البحر الأسود إلى زيادة كبيرة في تكلفة التأمين على الرحلات البحرية المتجهة إلى الموانئ الروسية، حيث ارتفعت بنسبة 250 بالمئة، ما جعل تكلفة التأمين لناقلة النفط الكبيرة تصل من 280 ألف دولار إلى مليون دولار، بينما ارتفعت تكلفة التأمين على السفن التجارية العادية من 85 ألف دولار إلى 300 ألف دولار.

الطاقة في مرمى النيران: أوكرانيا تهاجم وموسكو تهدّد برد قاس

ويأتي هذا التصعيد في وقت تعاني فيه روسيا من تراجع إيراداتها النفطية نتيجة انخفاض أسعار النفط وتأثير العقوبات الغربية على قطاع الطاقة، والتي شملت فرض 1183 عقوبة على السفن التجارية الروسية، كان أعنفها فرض قيود على شركتي روسنفت ولوك أويل. ووفق بيانات رسمية، انخفضت إيرادات روسيا من الطاقة في نوفمبر الماضي بنسبة 34 بالمئة  لتصل إلى 6.6 مليار دولار، مع توقعات بانخفاض إجمالي الإيرادات السنوية بنسبة 25 بالمئة لتبلغ 110 مليارات دولار.

التأثير المباشر على صادرات النفط الروسي

في حديثه لبرنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية، أوضح أندريه كوفاتاريو، زميل أول غير مقيم في المجلس الأطلسي، أن جزءاً من النفط الغربي لا يزال يعتمد على الخام الروسي، ما يجعل العقوبات والهجمات الأوكرانية مؤثرة بشكل مباشر على صادرات روسيا النفطية. وأضاف أن الأمر محل نقاش بين الخبراء، خاصة فيما يتعلق بمشتقات النفط الخام، حيث تحتاج الأسواق إلى البحث عن بدائل للنفط الروسي، إذ إن روسيا لا تزال تحقق موارد مالية من صادراتها.

وأكد كوفاتاريو أن السوق تتأثر بشكل كبير بتدفقات النفط الخام، والتي تتأثر بدورها بالحرب في أوكرانيا. وأشار إلى أن احتمالات عودة النفط الروسي إلى الأسواق العالمية قد تؤدي إلى انخفاض الأسعار، خصوصاً إذا تراجعت العقوبات أو استمرت المحادثات بين روسيا وكل من الصين والهند بشأن النفط.

كوفاتاريو: هجمات أوكرانيا تهدد إمدادات النفط الروسية

السيناريوهات المستقبلية وأسواق الطاقة

يرى كوفاتاريو أن أمام روسيا طريقين رئيسيين: الأول يتعلق بالاتجاه التجاري، حيث ستواصل روسيا تصدير نفطها الخام، وستظل الهند من أبرز المشترين، مع الأخذ في الاعتبار العلاقات الاستراتيجية الطويلة بين البلدين. أما الطريق الثاني فيتعلق بخيارات مشترين آخرين واستراتيجيات بديلة، وهو ما قد يتطلب دراسة تكلفة الاعتماد على مصادر بديلة للطاقة.

وأشار الخبير إلى أن التحدي الأكبر أمام الاتحاد الأوروبي هو مدى القدرة على التخلي تماماً عن وارداته من النفط والغاز الروسي، مع الإشارة إلى أن الأمر ما يزال محل نقاش داخلي بين الدول الأعضاء. وأضاف أن أي تغييرات كبيرة في تدفقات النفط ستؤدي إلى تقلبات أكبر في الأسواق العالمية، مما قد يزيد من فوضى الأسعار وعدم الاستقرار الحالي.

أخبار ذات صلة

التجارة والدفاع على طاولة مباحثات بوتين ومودي
الاتحاد الأوروبي يحدد نهاية 2027 لحظر استيراد الغاز الروسي

عوامل أساسية تؤثر على السوق

من أبرز العوامل التي حددها كوفاتاريو تأثير النفط الروسي على الأسعار في السوق، إلى جانب إنتاج الدول غير الأعضاء في أوبك، والنفط المصدر من أميركا اللاتينية. وأوضح أن الطلب على النفط في الأسواق العالمية سيظل عاملاً محدداً في تحديد الأسعار، وأن أي عودة محتملة للنفط الروسي بعد رفع العقوبات ستؤدي إلى آثار ملموسة في العام 2026، معتبراً أن هذه العودة غير متوقعة في المستقبل القريب.

كما أشار كوفاتاريو إلى التغيرات الهيكلية في أسواق الطاقة، مثل الاعتماد المتزايد على السيارات الكهربائية والمعدات التي تعمل بالكهرباء، وهو ما يقلل تدريجياً الاعتماد على النفط الخام، ويؤثر على توقعات أوبك+ وأسواق النفط على المدى المتوسط والطويل.

التحولات الجيوسياسية وأثرها على الطاقة

أكد كوفاتاريو أن العلاقات الجيوسياسية تلعب دوراً محورياً في تحديد تدفقات النفط وأسعار السوق. فالتعاون الروسي مع الهند والصين، وكذلك محادثات الاتحاد الأوروبي حول بدائل الطاقة، كلها عوامل حاسمة ستحدد مدى قدرة السوق على امتصاص الصدمات الحالية والمستقبلية. وأضاف أن الخيارات المتاحة للدول المستوردة للنفط الروسي، سواء في الالتزام بالشراء أو البحث عن بدائل، ستؤثر على استقرار السوق العالمي بشكل مباشر.

في ظل تصاعد التوتر في البحر الأسود وتفاقم العقوبات الغربية، يبدو أن أسواق النفط العالمية أمام مرحلة حرجة من التقلبات وعدم اليقين. الهجمات على السفن الروسية أثرت بشكل مباشر على تكلفة التأمين والتجارة النفطية، بينما يواصل الخبراء دراسة السيناريوهات المحتملة لعودة النفط الروسي أو استمرار العقوبات، في ظل تأثيرات متشابكة بين العوامل الاقتصادية والجيوسياسية. وكما يشير أندريه كوفاتاريو، فإن السوق سيظل عرضة للتقلبات، مع أهمية مراقبة تحركات الدول الكبرى والمستهلكين الرئيسيين للنفط في السنوات المقبلة.

هجمات أوكرانيا ترعب روسيا وتهدد نفطها